خطايا الأزل ونهاية الأجل


#خطايا_الأزل_ونهاية_الأجل

#الخطيئة_الأولي 1

الغرور (لا فضل لأحد عن أحد)


في غرفة مظلمة بلا شباك أو أي منفذ للهواء والضوء، يجلس إبليس في حيرة وتوتر واضحين علي ملامح وجهه، ترتسم عليه ملامح السخرية كلما حدث نفسه ويكأنه يتذكر مشهد ما في عقله الباطن دون البوح بكلمات مفهومة، بل أنها تمتمات مكتومة تصدر من قاع حنجرته لا فمه، تقترب الكاميرا أكثر، فتري وجه إبليس بوضوح، وسيم، أسمر، تفاحة أدم وسط رقبته، حواجب سميكة، ذقن خفيفة لا تصل حد اللحية، أذنه صغيرة ملتحمة.
زووم أوت،،،
نري أربعة ضباط بملابس بيضاء ناصعة، زي الشرطة الصيفي المعهود، يدلفون للغرفة، غالقين الأبواب جيداً بعدة مفاتيح، تصنع أصوات سيمفونية عند ولوجها في كوالين باب ضخم، من الحديد الأسود الصدأ قليلاً..
يبدأ أكبرهم سناً (دانيال)في التحدث قائلاً "ها يا إبليس، هات اللي عندك، احنا برضه عشرة ومعرفة قديمة، وأكيد هنعمل حسابها ومش هتهون علينا نسيبك كدة!"
يرد إبليس شظراً "معنديش حاجة أقولها يا باشا، اللي عندنا قولناه ومافيش قول غيره."
ينظر إليه الثاني من ناحية الأول ويدعي (مايكل) قائلاً "لا هتقول يا إبليس، وبعد ما هتقول اللي عندك، هنقول اللي عندنا!"
يرد إبليس بصوت يسمعه هو فقط "نقول تور، يقولوا احلبوه، مش عارفين انه بيتعمل بولوبيف وبس!"
لا يسمع أحد من الحاضرين ما قاله إبليس سوي الثالث، فيمعن النظر لإبليس وينظر أكتر، حتي يعلق بؤبؤ عينه في منتصف جفنه العلوي، فيلفت نظر إبليس مما دعاه لحملقة ندية هو الآخر في وجه الضابط الثالث (مالك) ليقاطعه قائلاً "نقعد بقا نتفرج علي بعض لحد ما يعرفولنا صاحب!"، يقوم فجأة من كرسيه الحديدي ويصنع الكرسي ضجيجاً مزعجاً بفعل حركته علي أرض زلقة بعض الشئ، يقاطع ضجيج الكرسي الثقيل بلفة سريعة بكامل جسده ليثبت خلف الكرسي واقفاً، ناظراً لإبليس في أسفله، نعم..، فالضابط بالغ الطول واقفاً علي بعد مترين من رأس إبليس، منصة الظباط المواجهة للمتهم، أعلي بمتر كامل من الأرضية الثابت عليها إبليس مصفداً بسلسلة غليظة ودائرتين من الفولاذ متصلتين من قدميه واصلين ليديه..
نظرة ذلك الضابط بالتحديد أثارت شيئاً من الغل والحقد في نفس إبليس أكثر من السابقين!
تحدث الرابع ويبدو علي ملامحه أنه في غاية الطيبة قائلاً "قول يا ابني، لو عندي عيل كان زمانه في سنك، قول إيه اللي حصل بينك وبين أدم، قول ماتخفش، احنا هنا عشان نفهم، ولو ليك حق هتاخده!"
إبليس يرد "يا باشا ده انتوا الحكومة، عارفين كل حاجة، مافيش حاجة تستخبي عليكوا.."
الرابع واسمه (رضوان) "ما هو عشان مافيش حاجة تستخبي علينا، وعارفين كل حاجة، بنقولك احكي، يمكن في حاجة تطلعك م اللي انت فيه.."
إبليس "ماشي يا سيدي، وأدي قاعدة.." يعتدل في جلسته ويفرد ظهره بعد أن كان منحنياً منكباً علي وجهه طوال التحقيق.
يتصور المتهم جريمته، فتخرج الكاميرا من الأبواب المصفدة لقلب الصحراء، مساحة شاسعة من الرمال الفقيرة لحياة بأحضانها، مقحفة، لا أخر لها سوي سراب يبدو كبحر أو أجيج نار، زهد رياح ساخنة تلفح الوجوه وتترك بها بصمات حمرة الاحتراق وكأنها أسياخ حفل شواء والجميع مدعو لتذوقها!
يقف إبليس وأدم متواجهين، أدم بإبتسامة ساذجة جميلة تخفف علي رائيها عناء حره، شاب مهندم في أحسن صوره، واقفاً بثبات علي قدميه، شعره بني وعيناه أيضاً، بشرته الخمرية زادت حسنه حسناً،
لم يتفوه أدم بكلمة طوال وقوفه أمام إبليس، سوي "الحمد لله" بعد أن أخرج عطسة من فمه الصغير بفعل بعض حبوب اللقاح التي داعبت أنفه المنحوت.
استشاط إبليس لتواجد أدم في المكان، فهذه أرضه وحده هو كما يعلم منذ ولادته، لم يري شريكاً له فيها، وزاد غضبه حين عطس أدم وشكر، وتضاعفت غبطته حين وجد إبتسامة أدم باقية لا نهاية لها، كأنها إبتسامة عرفان بجميل، الجميل الذي أحضره لتلك الصحراء، جميلاً نساه إبليس منذ أمد سحيق، ظل ينظر ويمعن النظر في أدم من رأسه لإخمصه، حتي احتد علي غرة وضرب أدم علي كتفه قائلاً "أنا أحسن منك، أنا هنا من قبلك، أقدم منك، انت ولا حاجة، أنا شكلي وكلامي وأي حاجة بعملها أحسن مليون مرة من اللي بتعمله، مش هسيبك ف حالك، همرر عليك عيشتك، وبطل بقا تعمل غلبان وتبتسم بلؤم وكأنك مش فاهم حاجة، عشان لعبتك اتكشفت!"،
ينظر أدم بسذاجة طفل في الثالثة، ولا يضع منطق، ولكن يبدو أن رنين كلمات إبليس يطن في أذنه، فتبدأ ملامح وجهه في التغير، ويضع يديه علي أذنيه ويرتسم علي وجهه ملامح ممزوجة من التعجب، الإندهاش، الجهل بالأمر وأخري لا نعلمها..
يهب إبليس ويختفي في لمح البصر راكباً سيارته اللاند روفر السوداء ذات الزجاج الغامق (فيميه..مثبوت برخصة قيادته الصادرة من مرور مدينة نصر)، قبل إختفاءه يتوعد ل أدم بأنه سيعيش وحيداً لأنه لن يكون بجانبه، يتوعده بالتعاسة والحياة المزرية قاسماً بألا يتركه لحاله، بل سيترصد له في كل مكان ليؤذيه ويخرب حياته في هذه البقعة أو أي بقعة يراه فيها، معلناً ذلك بما أدركه أدم أخيراً، أن تلك هي أرضه، وأنه لا يرغب بشريك، وغير ممتن لوجود أدم نهائياً!
يصمت أدم، وينظر للأعلي في ذهول وترجي للسماء دون كلمات، في الوقت الذي يهرب فيه إبليس بعيداً ويختفي في صحراء شاسعة لا نهاية لها..
To be Continued
شاركه على جوجل بلس

عن Mai Hanem Hamada

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق