مصر عاصمة الأسكندرية



تم النشر علي موقع مصر العربية في يناير 2017


أتساءل لما تحل زيارتي إلى الإسكندرية كافة مشاكلي وصراعاتي النفسية؟. ما إن تطأ
قدماي منذ صغري وحتى الآن أرضها إلا وأستشعر شهيقًا يشق رئتاي، هو اليود حتمًا، لكن يود
الإسكندرية مختلف حقًا.
اعتدت التردد علي رأس البر، مطروح، جمصة
وحتى مرسي مطروح. لم تستشعر أنفي يودًا كما
استشعرته ببخار بحر الإسكندرية، أدعوه كذلك، بحر
الإسكندرية، لا البحر المتوسط بعموميته، أظن أن إله
البحر (بوسايدن) لم يكن إغريقي الأصول، أظنه مصريًا
ضاقت به أحوال المعيشة فسافر لليونان يبحث عن كد
عمله إلى أن ترقى وصولًا لرتبة آلهة.
سبق لي زيارة مدن عديدة على البحر الأحمر.
أشكال الأسماك تشعرني أنني انطلقت للفضاء في كل
عمق نغوصه تحت سطح البحر. أقسم أنه لا تعتليني
أحاسيس كالتي تتملكني على شاطيء الإسكندرية، خليط من البهجة و(النوستالجيا)
والنشاط المفرط.. ربما هي حلاوة الروح، روح البحر، روح الإسكندرانية أنفسهم، روح المعالم،
روح الذكريات، روح شبح الإسكندر ذاته وكأنه يتوعد أن مدينته مدينة مقدسة أبد الدهر.
يصل قطار القاهرة الإسكندرية
في موعده على غير عادة القطارات، تستقبلك المدينة
بابتسامة وتبتسم لها أنت في المقابل، تسير في شوارعها على حدس ذكريات الطفولة،
المعالم كما هي، كفاقد البصر ستتحسس طريقك دون أن تستشعر التيه، رائحة البحر
سترشدك لطريق الكورنيش، منه إلى أي مكان شئت، اليمين واليسار واضحين.
اليمين المعمورة حيث قضى أغلب المصريين مصيفهم حتى أوائل التسعينات، المنتزه ومبيت
آخر ملوك مصر وحاشيته في الحراملك والسلاملك، سيدي بشر مصيف الغلابة، ميامي
المصرية مرورًا بمحطة الرمل والجندي المجهول وحتى أبو العباس. كل منطقة لها خواصها
وطبيعتها التي تختلف عن أخرى تبعد عنها حتى ولو أمتار.
ما يجمعهم أنهم ولاد بحري يتحدثون العربية السواحيلية كما أدعوها "الجنيه يصبح هناك
جني"، "الطعمية اسمها فلافل"، "الكورنيش يسمى بحر". المأكولات البحرية طعمها متميز،
فول إسكندراني، فلافل إسكندراني، كبدة إسكندراني، سجق إسكندراني، كله بالإسكندراني،
طعم ونكهة وريحة وتوليفة أضفاها الأجداد على مأكولات مصرية متعارف عليها لتتحول
إلى أكلات جديدة تمامًا تمتاز بها عروس البحر المتوسط، حتى العيش البلدي المدعوم
المخبوز في الأفران متميز، عيش أبيض فخم ملوكي يتناسب مع قدسية المكان.
كل شئ له طعم وبأقل تكلفة ممكنة، عربات الفول يباع بها فول إسكندراني بالزيت الحار
وخلطة سحرية تدوم في الفم لأيام، خضروات طازجة من مزارع محافظتي البحيرة
والمنوفية لا تضاهي في قيمتها الغذائية بنتاج أي يابسة أخرى، مقهى بلدي تستمتع فيه
بكوب شاي مع نعناع أخضر يشفي من 99 % من الأمراض التي قد تصيب الإنسان المصري
المعاصر.
إذا كنت من المفلسين دائمًا من أمثالي، لا داعي للمقاهي أو مطاعم البحر، احجز صخرتك
المفضلة واستمتع بصوت "أم كلثوم"، يعانق صرير الأمواج المدوي مع بعض رذاذ البحر
المنعش، استمتع باللاشئ، عد الأمواج، ابحث في ظاهرة تكون زبد البحر، كون صداقة مع
قطة تائهة تبحث عن مخرج من الشاطئ أو اجلس صامتًا لا تحرك ساكنًا وهذا أضعف
الإيمان..
أذكر أذكر على مدار السنوات السابقة أن الإسكندرية لم تعني لي شيئًا واحدًا في الصيف
سوى التسوق في (خالد ابن الوليد) و(المنشية)، والجلوس على صخور شاطيء (قلعة)
 لا أتحدث عن إبداع محدود، بل إبداع يصل
للتطرف بشكل يفوق
الحدود، تفنن يصل لحد
التطرف والمبالغة في
قايتباي) ممسكًة بكوب من "جيلاتي عزة"، وفي الخلفية تشدو أم كلثوم "إزاي.. أوصفلك يا
حبيبي إزاي".. في الشتاء جو أوروبي وشوارع رطبة تنزلق منها الأتربة لتصبح مجردة كطفل
مولود بمشيمة كاملة، نظيف تمامًا.
التنقل على الشاطئ سيرًا أو باستقلال (المشروع) هو مغامرة في ذاته حين تتخبطك الأمواج
مع شعاع الشمس، إذا غابت الشمس عن الأفق واشتدت ضراوة الأمواج فبإمكانك إيقاف
(سيارة أجرة/تاكسي الإسكندرية) الشهير بلونيه الأصفر والأسود من ماركة لادا موديل
سبعيني ولازال يعمل بكفاءة أوتوموبيل حديث، وكأن رابع المستحيلات شئ طبيعي
وواقعي، فالسيارات الأجرة في القاهرة لا تعمل بهذه الكفاءة قياسًا بتاريخ الصنع (الموديل).
ليست بالصدفة البحتة أن أغلب مواطني الأسكندرية مبدعين، من العامل العادي
وحتى المشاهير، لا أغفل ملحن أغاني مثل الشرنوبي، مغني أوبرا "ديميس روسو"، ومعجزة
"سيد درويش".
لا أتحدث عن إبداع محدود، بل إبداع يصل للتطرف بشكل يفوق الحدود، تفنن يصل لحد
التطرف والمبالغة في إتقان الحرفية، هل هو البحر!، قالوا من "يجاور السعيد يسعد" ولو
أسهبوا في القول لأكملوها ب من "يجاور البحر يبدع"، تخيل أن تطل شرفتك صيفًا على بحر
تتخالط فيه الأمواج البيضاء لتقلب لونه الأزرق الشفاف لتفصل لوحة السماء عن البحر.
يمر الصيف بعد أن يعود المصطافون لمآربهم تاركين بصماتهم في كل مكان، الوفود من
الشرق والغرب والجنوب، لا شك تترك أثرًا في نفوس شعب الشمال ويصبح بالتبعية قادرًا
على التعاطي والتعامل مع أبناء المحافظات الأخرى بأريحية وانفتاح يعادل ويفوق أبناء
العاصمة القاهرة، تراكم الخبرات وتنوعها يثري نفوس الإسكندرانية ليترك لهم تركة من
الأفكار الخلاقة وخبرات غير مكتسبة باختبار ذاتها بل منقول بأحاديث من يحاجيها.
يحل الشتاء بكآبته المعتادة وجوه الرخيم، ينصحك أصحاب الذوق الرفيع بالتوجه
للإسكندرية، في البداية قد تتعجب من النصيحة، وما إن تدق قدمك يابسة المعمورة
حتى تأن زفير بحرها من كل حواسك. ارتدى ما شئت، فهواء الإسكندرية لا ينخر العظام، غير
مؤلم على الإطلاق عكس المدن ذات المناخ الجاف، هواء استشفائي بحت، أزعم أن بعض
الأطباء قد يصفون علاج مرضاهم، تاركين توصية بزيارة الإسكندرية فقط.
"شط إسكندرية"، "البحر بيخطفني" وغيرها من أغاني
المبدعات (فيروز)، (حنان ماضي)، أصوات عرايس
البحر، لا يمكن أن تكون أغاني مسجلة بداخل
استوديو، لابد أن المطربتين خرجتا لمواجهة أعتي
نوات بحر الإسكندرية وصرن ينشدن بعض تلك الكلمات، "زيزينا" ستدق ألحانها في ذهنك ما إن يتبادر
لك ذكر اسم المدينة "عمار يا إسكندرية، يا جميلة يا
مرية"، تنظر أو تغمض جفنيك، دندنة ألحان أغانيها من (محمد الحلو)، (علي الحجار)، تترات مسلسلات أو
صولو ستداعب حواسك بكل تأكيد. أكثرها رنينًا في أذني "تتر مسلسل عفاريت السيالة"
ونظيره من مسلسل "ريا وسكينة".
نصيحتي:
"إذا كنت على أعتاب حدث يغير حياتك، أتعبك الروتين اليومي أو تسعى لتسجيل
ذكرى خاصة مع صديق أو حبيب، يسعدني أن أدعوك لزيارة الإسكندرية".
الإسكندرية عاصمتها مصر.
شاركه على جوجل بلس

عن Mai Hanem Hamada

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق