مشهد الحياة-القطر





تم النشر علي موقع مصر العربية في أغسطس 2017

رؤية الكاتب
قد يفسر البعض السطور المقبلة بأنها أحداث حياتية داخل قطار، قد يراها
أخرون أحداث الحياة ذاتها،
سيشعر القارئ أن البطل شخص واحد فقط، تدور حوله الشخصيات الأخري، والحقيقة أن الجميع أبطال،
لا أؤمن بالبطولة المطلقة، فالواقعية تجعل الجميع أبطال حكاياتهم الخاصة، فلولا الجموع لتلاشت الأدوار.

خالد ياسين..هل هو شخص مولود داخل القطار، أم أن الحياة في ذاتها قطار وكلنا ركاب، يختفي لفظ "البشر" وينحصر تلقيبهم ب "الركاب"، فالجميع مرتحلون، مشاهد متقطعة تعكس معانتنا في الحياة من العمل، الفراق، النصب، أول حب، الدين، بعض الوصايا ومكتسبات الحياة.
 التفاسير متروكة لخيال القارئ، فقط استمتعوا بالتفاصيل.

الشخصيات:
الرجل المُتأفف-الكمسري (برعي النمر)-عم جلال-بائع السميط-أمين المجذوب-كاميليا- عم بسيوني- ياسين خالد-عبده كُباية.

مشهد الولادة

  
حااااسب..
اوعي كدة.
أاااه رجلي..
انت مابتشوفش!..
وسع وسع..
الباب بيفتح أهوه..
ياااااااااقوووووووووووي..
حمد الله ع السلامة..
...
-هاه، إحنا فين؟
-إحنا جوا القطر يا أخ، سلامة الشوف!
-قطر إيه؟
-هو ده سؤال؟، إنت مش عارف انت ف قطر إيه؟
-لأ.
-طب وسع وسع، أنا راجل كبير وماليش خلق لولاد إمبارح، أنا أصلاً محطتي جاية، وسع كدة.
...
-مالك يا بني، قالب بوزك والدمعة هتفر من عينك ليه؟
-مش عارف، أنا أصلي مش فاهم حاجة ولا عارف احنا فين.
-أومال دخلت القطر إزاي؟
-أنا كنت قاعد ف حالي، لوحدي، ف مكان واسع، مرة واحدة الأرض اتكركبت حواليا، ولقيت أصوات بتعلي وبتقرب عليا، وفجأة..                                                                                                                                          -بس ماتكملش، طبعاً لقيت خَلق كتير بيزقوك وبيدخلوك القطر بالعافية.
-فعلاً، هو ده اللي حصل، وعمال أعيط من ساعة ما دخلت، وهما مبسوطين كأنهم مستمتعين إنهم بيدخلوني بالعافية.
-اعذرهم، هما كمان دخلوا بالعافية، فيه اللي اتعود وعاش وفيه اللي نط م القطر قبل الأوان وفيه اللي عايش بالعافية غريب ف عز الزحمة.
-طب أنا ذنبي إيه؟
-يعني هما كان ذنبهم إيه؟

مشهد الحرامي الحكيم

-تذاكر يا حضرات، تذاكر، أيوه يا بيه، تذكرة..
-لأ مش معايا.
-نازل فين يا بيه؟
-مش عارف.
-الأجرة موحدة يا بيه، كله ف الأول زي بعضه، وبعدين تبدأ الفوارق، اللي حظه يجي ف تذكرة درجة أولي، واللي يطلعله معارف يشدوه للمُميزة، واللي يطلع ماعهوش خالص والركاب يطردوه، واللي يقعد ع الأرض لحد مايتداس بالجزم.. وأهو الركاب طبقات.
-وافرض يا سيدي ان ماعييش ومالقيتش حد يشدني، أعمل إيه، يعني علي أي أساس تخلي راكب أحسن من التاني؟
-من غير أساس، ماحدش ليه فضل ف نفسه، كلنا بندخل القطر باللي علينا ونطلع باللي علينا، صحيح ف النص ممكن نقضي وقتنا في القطر واحنا قاعدين مرتاحين وممكن يجي النصيب في شقي وبهدلة بين الركاب والعربيات، بقولك إيه، انت أول واحد يعصلج معايا، يلا يا أخينا هات تذكرتك.
-منا مش معايا قولتلك.
-اللي معهوش بينزل يا بيه بس القطر كدة كدة ماشي ومش هيقف هنا، يبقي الحل إنك تجيب أي حاجة من اللي لابسها، جزمتك حالتها كويسة، هاخدها منك لحد ما تتصرف.
-وأمشي حافي؟
-مش أحسن منا أتطرد من شغلي وعيالي تتشرد؟
-خلاص، خد، أهيه، حلال عليك، أنا أصلاً صحيت لقيتها، ماعرفش جت منين ولا جبتها إزاي، زي ما انت قولت، ماليش فضل فيها.

مشهد الصدمة الأولي

-عملها فيك!
-هو مين؟
-الكُمسري.
-أه، خد جزمتي عشان ماعييش أجرة.
-يا خيبتك!
-أفندم!
-ده مش كمسري، ده برعي النمر، حرامي الجزم.
-يعني إيه؟
-يعني عليه العوض ف الجزمة.
-طب ما إنت شايفه وهو بياخدها، ما نبهتنيش ليه؟
-أنبهك؟، ليه هو أنا مجنون، منا لو ماكنتش سبته ياخدها منك بمزاجك، كان خدها منك بالعافية، ده برضه جزاتي!
-طب والعمل؟
-ولا حاجة، بكرة تعوضها، وبعدين الواد برعي ده أصله وش الخير ع اللي بيسرقه، شوف.. بكرة تلاقي الجزم نازلة علي دماغك من كل حتة، انت بس لاحق يا سيدي.
-علي دماغي!
-ما تدقش، قصدي يعني الأبواب هتتفتحلك وتجيب أجدعها جزمة.

مشهد اعمل الخير وارميه للقطر

-أااااه.
-مالك.
-بطني بتوجعني أوي.
-شكلك هفتان وجعان.
-أيوة.
-شايف بتاع السميط ده.
-أه.
-روح اطلب منه واحدة.
-والحساب!
-روح بس ومالكش دعوة،عندي أنا. وأهو فرصة أهون عليك مقلب الجزمة اللي اتاخدت منك..
-كتر خيرك، مش عارف أشكرك ازاي.
- روح بس وأنا هشاورله، أنا بعمل خير وعشمان يترد لي، يا بني اعمل الخير وارميه للقطر.
-السميط كتير أهو، يعني فيها ايه لو يديني واحدة.
-كل واحد في القطر فاكر انها ماجاتش عليه، ولو بتاع السميط فرق السميط كله من غير حساب، مش هيلاقي هو ياكل، يعني أولي بيه ياكل هوَ السميط اللي هيفرقه ولا يتعبش نفسه ويوقف يبيعه من الأساس.
...
-طلباتك!
-هاخد سميطة..
-أول مرة سماح، عشان خاطر الراجل الطيب اللي وصاني عليك، لكن التانية مافيهاش!
-يااه، شكلي كنت جعان زي ما قال ال...، هو راح فين!
-نزل..، محطته جت وانت بتاكل.
-معقول، بسرعة كدة!
-لا، ده بقاله زمن هنا، عم جلال ده من أقدم ركاب القطر، أنا راكب بقالي ياما، ومن ساعة ما دخلت وأنا بشوفه، ياما ساعد ناس وقدم نصيحة لناس، يلا، هنعمل إيه، كله بأوانه يا ابني... إيه الدوشة دي، ماتيجي نقوم نشوف في إيه!


مشهد الزفة

قرب قرب يا أفندي قرب يا بيه، اللي شافها ماشافشي واللي لفها ماعرفشي، يموت فيها المعلم ومهما اتعلم كأنه ما اتعلم، المستخبي فيها باين والباين فيها مش باين.. تيجيها من غير خاطر وتمشي منها من غير خاطر، عشت مهما عشت، دورك لابد يوم ينتهي، دخلتها بزفة وطالع منها بزفة، الحق خدلك فيها لفة، ماتوقفش أبداً ف يوم، انت زي الترس، لو تَلفتْ يوم تترمي والمَكنْ داير. احفظ كلامي واعرفه، انت سر...
-مين ده؟
 -ده أمين المجذوب، كل يوم يعمل زفة،  بيقول حكم وساعات يخرف.
-ودي حكم ولا تخاريف؟
-اوزن كلامه، الحكم اعمل بيها والتخاريف ارميها ورا ضهرك.. انت هتفضل قاعد كدة؟ يلا اتحرك، شوفلك حاجة تعملها..
-أعمل إيه؟
-أي حاجة والسلام، روح وتعالي، اطلع وانزل، اتكلم مع دي وده، حب، اتجوز، خلف، بس ماتقضيش قعدتك ف القطر ساكت
 كدة، بعدين الكُل يحس، وتشوف اللي عمرك ماشوفته.
-حاضر، ولو إني مش عارف هعمل كل الحاجات دي إزاي وأنا عمري ماعملتها قبل كدة.
-روح وتعالي ولو في نصيب للقا، إبقي إسأل علي عمك بسيوني،هو إسم الكريم إيه؟
-مش عارف، وأنا داخل القطر، سمعت أصوات كتير، منهم صوت كان بيرن ف وداني، واحد قال ياسين وواحدة قالت خالد.
-يعني اسمك خالد ياسين أو ياسين خالد أو واحد بس فيهم، أقولك، خليها ياسين خالد، هدعيلك تبقي خالد يا ياسين!
-سلام..

مشهد الحب الأول - عيون كاميليا

-تسمحيلي أقعد جمبك؟
-تعرفني؟
-لأ، هو لازم أكون بعرفك؟
-أهم بيقولوا كدة.
-هما مين؟
-ركاب القطر، بيقولوا مايصحش اتنين مايعرفوش بعض يقعدوا جمب بعض.
-عنيكي جميلة أوي.
-بيقولولي كدة كتير.
-بس هي مش زي عيون الناس.
-تقصد إيه!
-عنيكي مليانة حكايات.
-حكايات.. إزاي؟
-يعني لسانك وهو ساكت مابيتكلمش، عنيكي هي اللي بتتكلم.
-طب وعنيا بتقول إيه؟
-بتقول إنك فاهمة ومش فاهمة.
-فاهمة إيه ومش فاهمة إيه؟
-فاهمة إحنا ليه دخلنا القطر، وفاهمة إننا مادخلناش بالصدفة، فاهمة ليه إحنا بالذات اللي دخلناه وبعد ما دخلنا هنعمل إيه!
-كل ده ف عيني؟
-زعلتي؟
-لأ، بس لازم تبطل بَحلقة فيهم، كل الركاب بيبصوا علينا.
-ودي حاجة تضايقك؟
-لأ، بس إنت أكيد هتقوم وتسيبني ولو الناس شافوا إنك قاعد معايا وبتبحلق فيا، يفتكروا إن الكرسي محجوز عشانك وماحدش هيجي يقعد جمبي تاني، وأفضل قاعدة لوحدي لحد ما محطتي تيجي.
-وإيه اللي هيخليني أقوم؟
-حاجات كتير..، ماينفعش تفضل قاعد وتوقف حركة، بعدين يحصل اللي عمرك ماشوفته.

مشهد عيش..حب..فراق

إيدك معانا يا أخ.-
في حاجة يا عم بسيوني؟-
-الراجل اللي هناك ده هيتجوز، ولزوم الجواز، عايز يخصص حتة من القطر لُه ولمراته، إيه رأيك تساعده وتاخد شوية تذاكر تنفعك، بس اوعي يضحك عليك، ده متريش وجيبه مليان تذاكر، اطلب منه بقلب جامد.
-أنا موافق، إديني بس شوية وجايلك علي طول.
-ماتتأخرش، بعدين الراجل يجيب غيرك.
-مش هتأخر.
-تسمحيلي أقوم، أنا راجع تاني عشان أقعد جمبك علي طول.
-بلاش تقوم.
-ماتخافيش، هرجع علي طول.
-إوعي ترجع بعد فوات الآوان.
-لأ هرجع تاني، أنا ماصدقت لقيتك، عنيكي زي ما أكون شايف فيهم نفسي، صوتك كمان حاسس إن مش أول مرة أسمعه، تقريباً انتي أول راكب أقعد جمبه ف القطر وأبقي مش عايز أقوم،  إسمك إيه؟
-إسمي كاميليا.
-استني، نسيت تقوللي اسمك!
-أقولهولك لما أرجع، عندنا كلام كتير، عنيكي اللي مش عارف أبطل أبصلهم لسه ماقالوش كل حاجة...
-مستنياك.
-سلام مؤقت يا كاميليا. عم بسيوني، يلا بينا، عايزك تعرفني مطلوب مني إيه عشان الزبون اللي هنروح...

مشهد ملة ياسين

-أنا هعّرفك بالراجل وهو هيقولك اللي مطلوب منك بس نصيحتي ليك إوعي تتكلم معاه ف اي حاجة، يعني تسكت خالص. يسألك بقا عن سواق القطر، يسألك عن حد من الركاب، أطرش-أخرس-أعمي، خصوصاً لو سألك عن ملتك.. هو انت ملْتك إيه صحيح؟
-ملّتْي!
-قصدي يعني بتصلي بأنهُ طريقة؟
-مش عارف.
-غريبة دي، بص كدة، بص هناك في الأخر، شايف الجماعة اللي لابسين أبيض دول، دول ملتهم بتقول إن كبيرهم واحد، صحيح هما عمرهم ماشافوه بس بيقولوا إنه شايفهم، بيصلوا كل يوم مرتين وهما واقفين، مرة أول ما يظهر نور القطر، والتانية أول مايختفي والركاب تنام.
-طب واللي لابسين أحمر ف الناحية اللي قصادهم؟
-دول بقا يا سيدي.. هقولك إيه، بيقولوا نفس الكلام، بس أهو، لازم تقفيل الدماغ، بيصلوا وهما قاعدين مرة واحدة في اليوم، الغريبة إن كل واحد فاكر نفسه أحسن من التاني، كدة من غير سبب.
-مش عارف ياعم بسيوني، إنت شايف إيه؟
-بص إنت ف كل الأحوال لازم تختار جماعة وتُشبك معاهم، أهم بينفعوا، بدل ما تلاقي نفسك ف يوم لوحدك وحركتك تقف ويحصل اللي عمرك ماشوفته.
-طب انت رأيك إيه، أنا عيني جايبة، جماعة صفرا، وخضرا وسودة، إيه ده كله.
-بقولك إيه، إنت فين تذكرتك، أول تذكرة خالص دخلت بيها القطر.
-مش عارف يا عم بسيوني.
-دور ف جيوبك.
-اتفضل.
-يااااه، إنت حظك حلو.. أو وحش، خانة الملة ف تذكرتك مقطوعة، كدة بقا يا حلو، لازم إنت اللي تختار، ويا تلاقي دوغري، يا تفضل طول مُدتك في القطر بتدور.
-لازم يعني؟
-أه، غالباً، إحساسك بإن في حد أكبر من كل ركاب القطر، شايفك ودايماً بيحميك من أخطار كتير ممكن ترتكبها ف حق نفسك وف حق غيرك، أو غيرك ممكن يرتكبها ف حقك هيخلّيك ف أمان. خصوصاً لما يكون حاجة خفية، لا بتشوفها ولا بتسمعها ولا عمر حد لمسها، كمان الصلاة بتخليك تتنفس برا الدايرة اللي احنا بنلف فيها جوا القطر، عشان الدايرة دي ما بتخلصش، كلنا بنخلص والدايرة مابتخلصش يا ياسين. اختار أي حاجة المهم تلتزم في الصلاة، أو ع الأقل تبين انك ملتزم فيها قدام جماعتك، بس نصيحة مني، اوعي تتصارع علي حاجة تخص ملتك، كل الملل يابني زي بعضها، ماتضيعش نفسك!


مشاهد الزباين..العمولة..أخر عربية               

مشهد كلام زباين/ مافيش حد هيعلمك 

                                                                                                                                                  -أنا عايزك تقفلي الحتة دي علي مطرحين، وتحطلي سريرين، أصلي مابحبش أنام جمب حد، مراتي دي أصلاً بنت عمي وأنا مابحبهاش، بس مالقيتش غيرها، المهم، خلص الشغلانة دي وتعالي قوللي، هقعد مع الجماعة اللي هناك دي لحد ماتخلص.           -طيب، دي أول شغلانة ليا ومش عارف بالظبط أعمل إيه، ياريت تقوللي أعملها ازاي.                                                -هو أنا فاضي، بص أنا مالقيتش حد يشتغلها غيرك وبسيوني قاللي إنك هتفهم بسرعة، اتعامل انت، ماتزهقنيش.                     -حاضر، حاضر، هخلص وهقولك.                                                                                                                                                                     ...                                                                

   مشهد لعن الله العمولة / ماحدش بيطلع من الخلاط

                                                                                 
-أنا خلصت الشغلانة يا عم بسيوني، الراجل إداني تذاكر كتير، هيكفوني فترة كويسة، هرجع بقا عشان ما أتأخرش علي كاميليا.

-ترجع فين يا بني، تذاكر إيه اللي كتير، دول يادوب يكفوك حبة، عندنا شغلانة تانية، انت خلاص دخلت خلاط الشغل وابقي قابلني لو طلعت.. وحسابي تذكرتين أكل عن الشغلانة الأولانية، الشغل شغل مافيهاش زعل.
-بس أنا اللي اشتغلت!                                                                                                                          -وأنا اللي جبت الزبون، والزبون اللي بعده، هفضل كدة، ده دوري، انت عليك تشتغل وأنا عليا الزبون.                              -طيب اتفضل، بس أنا محتاج أرجع، خايف أتأخر عليها.                                                                                 -تعالي بس دلوقتي، الست دي محتاجة حد يقعد مع عيالها، جوزها راح أخر عربية وهي لازم تروح تشوفه وترجع.

-إيه اللي وداه هناك؟

-يعرف ركاب هناك، خدوه يشتغل معاهم، مضطر هيعمل إيه، شغال ف اللف، بيلفوا هناك ورقة محشية أوهام بني، تولعها وتاخد منها نفس، وهي تاخد منك النفس، بتسلي الركاب لحد ما محطاتهم تيجي، وفيهم اللي بيسّرع بيها سكته، قوللي بقا قولت إيه، هي صحيح شغلانة غير اللي بتعملهم بس أهو تغيير.
-موافق يا عم بسيوني.

-لما تخلص تعالالي نتحاسب.                                                                               

                                                                                                     ...                                          مشهد الرزق يحب أخر عربية



-خلصت الشغلانة.

-هات بقا تذكرتين أكل وتذكرة دخان الأوهام.
-اتفضل، كنت فاكرك مالكشي فيه.                                                                                                            -هو مين ليه في الدخان، بس أهو بيلّون نفسنا، وبيحسسنا ان النفس لسه طالع وداخل، يعني.. بنعرف اننا لسه ف القطر وأوان النزول ماجاش.                                                                                                                                -.. حبيت أقولك إن الست جابتلي شغلانة مع جوزها ف العربية الأخرانية.

-ياه، ده انت اتودكت بسرعة، عموماً زي بعضه.
-المهم ماتنساش نفسك هناك، وارجع قبل فوات الأوان.                                                                                     -هو انت مش قولتلي ماوقفش شغل عشان أرجع وأتجوز كاميليا؟                                                                      -أه قولت، بس وقتك في القطر مهما طال برضه قصير، هتملّه وممكن تستعجله، اوعي تنسي نفسك وتفضل ف أخر عربية، نزولك لابد يبقي من هنا يا ابني.

-هشوفك تاني يا عم بسيوني؟
-اللقا ده يا ياسين نصيب، ماتدّورش علي حد، كل واحد ليه دور بيعمله وينزل م القطر، وبيطلع غيره، مافيش راكب دايم لك ولا هتقضي مدتك جمب راكب واحد، الوشوش هتتغير وتلف تلف تلاقي نفسك شوفت كل الركاب، القطر صغير يا بني، والوشوش بتتلاقي، صحيح مش دايماً بتفضل زي ما هي بس صدقني، اللي تحت الوشوش زي بعضهم..

-بس مافيش حد هيقوللي حكم ويفضل معايا زيك.
-هتلاقي، ولو وحشتك أوي، ابقي غمض عينك، وشغل خيالك، الخيال ده يا ياسين هو اللي بيهون علينا السكة، السكة اللي دخلناها من غير خاطر، كل حاجة تقدر تعملها زي ما تحب بس ف خيالك، تقدر ترسم سكة جديدة دايماً ف لمحة بصر، تروح وتيجي وانت ف مكانك، كله هنا يا ياسين، مخك، خيالك.


مشاهد كليشيهات العودة من الغُربة

مشهد عملها بسيوني



-بقولك يا..، كان في واحد هنا اسمه بسيوني.
-لا يا بيه، ماعرفوش.                                                                                                                                        -قصير كدة وشعره أبيض. -بيمشي متسند

-ولا شوفته.

-طب كاميليا؟
-كاميليا؟

-أه، شابة جميلة وعنيها حلوين، كانت موعداني تقوللي السر بس مالحقناش.
-تكونشي كاميليا بياعة السميط، بس دي عجوزة!

-لأ سميط ايه، دي كانت قاعدة علي كرسي.
-ما هي باعته من زمان وشغلّها واحد اسمه بسيوني، تبيع سميط، ده حتي اتجوزها، بس ماكملش، وجت محطته ونزل م القطر بعد ما اتجوزها بمافيش، يكونشي ده بسيوني اللي بتسأل عليه..

-بسيوني اتجوزها؟

                                                                            ...                                                                                مشهد العَجَزْ



-سميط يابيه، سميط، سميط يابيه...
-كاميليا؟                                                                                                                                                        -سميط، يا بيه!

-انتي مش فاكراني؟ انا ياسين!
-لا يابيه مش واخدة بالي.

-انا ياسين، قولتلك ان عيونك حلوين.
-كلهم بيقولوا كدة يابيه.

-انتي شكلك اتغير كدة ليه؟
-كبرنا بقا، هنعمل إيه، قرّبت محطتي وأديني أهو بجهز نفسي.

-انا شايف واحد تاني ف عنيكي.
-واحد مين يا بيه.

-استني ماتتحركيش، ده انا، ده شعري انا، هو أبيض كدة ليه، وايه الكرمشة اللي حوالين عيني دي، ده أنا بقيت شبه بسيوني، معقولة!
-سميط، أيوة السميط.

-استني يا كاميليا.

                                                                        ...                                                                                 مشهد النزول


-الراجل اللي سأل علي كاميليا ده بقاله شوية مابيتحركش، ماتيجي نبص عليه..                                                                  -انت يا بيه..                                                                                                                                                 -إيه يا عبده، انت هتسيب نصبة الشاي وتقف جمب الراكب ده!                                                                                   -مابينطقش، شكله هيعملها وينزل. وسع يا أخينا منك ليه، واقفين تتفرجوا علي إيه، مسيرك منك ليه تحصله، وسعوا كدة خلوه ينزل المحطة دي، وقف القطر يا جدع.                                                                                                                          -طلع بس اللي ف جيوبه، باينه مالوش حد، حلال عليك ياض يا عبده، شكلها اتكتبتلك تبقي بيه ونبطل نقولك يا كُباية.                  -شوية تذاكر حلوين، وإيه الورقة دي، اللي بيفك الخط يقرالنا يا حضرات.                                                                        -هات يا عم خلينا نشوف فيها إيه.


مشهد الرسالة



 أما بعد...
أكتب لنفسي هذة التذكرة، لتذكرني بمقعدي من القطار الذي سيصل يوماً كما أوصي الجميع، كُلهم أخبروني أنه سيصل حتماً، البعض ذهب قبل أن اُودعه والآخرين لم تسنح لي الفرصة بوداعهم..

لا أذكر كيف كنت قبل أن يدفعوني لدخول القطار، لا أعلم من هم حتي الآن، وبأي صفة فعلوا ذلك، تم الزج بي إلي هنا وسيتم الزج بي منه أيضاً، سأحتفظ بهذه التذكرة حتي لا أبدأ من جديد في الخارج.
كيف هو الخارج!، لا أذكره رغم قدومي منه ورغم حتمية رحيلي إليه، يبدو أن القطار هو فقط آلة زمنية تحتفظ بي حتي يكتمل نمو العالم الخارجي ويبلغ ذروة تحوره ليصبح قادراً علي استقبالي بعدما اشتد عقلي ووهن جسدي.

نظرت في أعين كاميليا يوم لقاءنا الأول لأجد شاباً يفتن الأنظار، ذو شعر أسود داكن وعينان محددتان تنظران بحدة وتصميم. مر الوقت سريعاً وعدت لأجد كاميليا عجوز، شمطاء، خرقاء، لا تذكُرني، لا تري غالباً، حتي عينيها لم تعودا جميلتين بالمرة، لكني رأيت انعكاس نفسي في عينيها، نفسْ مكسورة، نفَسّ يخرج ويدخل بحشرجة صدر، نفس الوجه لكن ملأته خطوط تستطيع أن تخبأ بداخلها مقتنياتك الثمينة من يد وأعين الأشرار، شعر يشبه مفارش القطار المتسخة، يلقبه الركاب بالموكيت الرمادي.
اكتب وصاياي الخالدة، فأنا ياسين خالد، خالد حتي إذا فنيت، هكذا تسميت، خالد، لم تكن صدفة أو علي الأقل أرجو ذلك،

إلي ياسين الخالد الآخر في مكان آخر، خارج القطار، أكتب إليّ:

*عم بسيوني رجُل طيب لكنه سيتزوج بحبيبتك، إستمع إليه بعض الوقت فقط.

*لا تترك كاميليا أبداً حتي لو اضطررت لحملها أينما ذهبت.
*احذر من الكمسري فهو حرامي أحذية، فقط اعطيه بعض تذاكر الطعام والماء، مسكين بُرعي في النهاية.

*لا تكرّس بقاءك في القطار سعياً وراء تذاكر ورقية سخيفة تمنحك الطعام والماء فقط، القطار ملئ بأشياء أخري تستحق البحث عنها.
*لا تؤذ أحداً ولا شئ، لكنك ستؤذي بالنهاية، بالنسبة لكثير من الركاب كما لو أنك تعمدْت إهانتهم، صفعهم، دهس أقدامهم، أكل أقواتهم، عزيزي ياسين، أعلم أنك جيد ولا تفعل ذلك عمداً، هم يتأذّون أيضاً بغير ارادتهم لأنك حقيقةً أذيتهم، تتحاشي سخطهم وتخشي أن تظلم أحدهم خوفاً من انتقامه منك خارج القطار، دعها تأتي كما لو أنك لم تؤذيهم.

*حين تتقطع بك السُبل وتفقد رباطة جأشك، أغلق عينيك، افتح نافذة خيالك علي وسعها، لتري بريق الشمس يخرج من ضوء روحك، ليجعل أضيق وأدق الأماكن، أكثرها رحابة وطمأنينة، فقط اغلق عينيك لتري جفونك من الداخل، مكتوب عليها ما يتحتم عليك فعله.
*لا تهنْ، لا تضعف، لا تقول أنك ضحية، الجميع ضحايا، لست وحدك.

*اللوم للذات، والذات فقط، تذكر.
*أحب نفسك أكثر من اللازم، لا تُدعي هذه أنانية، أعلم أكثر منك، فقد رأيت الكثير.

*الصلاة جيدة، أينما كانت وكيفما كنت أنت.. اقتناعك بأنك لست قائد القطار سيحد من تطرفك وجنونك، سيربط علي قلبك ويعطيك لذة الشعور بأن الخطأ ليس خطأك لأن هكذا أراد قائد القطار، لكن لا تُرجع الفضل لذاتك أيضاً.    *احترم جميع الركاب، البعض سيبدو تافهاً، صعلوكاً، أجدب، أيسر.. لا أحد يبدو كحقيقته، الجميع قد يبدو عكس ما يكون.   
*استمع وتكلم حين يصمت الجميع.

*لا تتعارك في معركة لا تعلم عنها شيئاً، أحسْن إليك ولا تتعارك علي الإطلاق.
*لا تتعلق بأحدهم، الجميع يظهر لك بخطْة محكمة، لا أحد منهم معني بالبقاء الأبدي، يؤدون أدوراهم ويختفون، فلا تسأل لماذا أتوا وإلي أين يذهبون عادةً.

*أنت جيد يا ياسين، حقاً جيد، لا أجاملك لأنك أنا بل لأنك فقط جيد.
*تحاشي تبرير أفعالك، حتي ولو لذاتك، لا عليك، إمض في تنفيذ قراراتك بنفس حماستك الأولي، البعض سيثنيك عن تلك الحماسة، تذكر جيداً، هم يُحبونك، لكن بسيوني أثناك قبلاً عن الجلوس بجوار حبيبتك، وتزوجها هو.

*لا تبحث عن شئ، ولا أحد، سيظهر ما تبحث عنه وقتما هو أراد. إرادته فوق قوة رغبتك.
*كل الخيوط المتفرعة التي لا معني لها، ستتكاتف وتشكل زياً أنيقاً لترتديه يوماً، حتي لو كان زيّ نزولك من القطار.

*كما أن صعود القطار حتمي ولا يد لراكب فيه، فإن النزول منه حقيقة مؤكدة، وعلي مدار جلستي به، ورد الكثيرون وذهب الجميع.
*احترم كافة الجماعات، لم يكن لك فضل في اختيار جماعتك، تذّكر أنك لم تر فيهم فرقاً، الحمر، البيض والسود، كلهم يُصّلون بطرق مختلفة، لكنهم ف النهاية يُصّلون، أنت لم تصلي كثيراً يا ياسين، فاحترم أيضاً من لا يُصّلون، واحترم من لا يرتدون شيئاً علي الإطلاق، فمُذ أن سرق برعي حذائك وأنت بلا حذاء بغير إرادتك، فلا تنظر لمن لا يرتدون بدونية، الكُل ينسي الكل ولا أحد ينسي الإساءة.

*لا تبتأس، ستجد غايتك وإن لم تبحث عنها، هي تفعل ف المقابل، غايتك متسعة الحدقتين، ستبحث عنك، وستجدك يوماً، فقط لا تظن أنك ستفقد اللذة حين تجدك هي، لو أن غايتك حقيقية، ستفرح ولو أتتك وأنت علي وشك ترك القطار.
*القطار يمر في أنفاق مظلمة وربوات تضيئها شمس ساطعة، لا تظلم حتي لا تنتهي داخل محطة في نفق مظلم.

*معيار جودة اللحظات يتلخص في قدرتك الذاتية علي استرجاعها، قد تبدو اللحظة مُحرجة، سيئة أو غير مثالية في وقتها، ولكن إذا تذكرت تفاصيلها لاحقاً وضحكت، فإنها مثالية إذن.
*لا بأس من أن ينتابك شعوراً غير اعتيادي بالاغتراب داخل القطار، فهو وسيلتك للانتقال وليس مكانك الإعتيادي، فلا مانع من بعض الغضب والشعور بعدم الإنتماء لمقعدك، وانتيابك شعور بالرغبة في النزول قبل الأوان.

*أنا وكاميليا لم نمضي وقتاً كافياً للوقوع ف الحب بنظر الجميع ولكن هل للحب وقت!، لا أعلم كمْ يكفي من الوقت لتنضج قصة حب في نظر الباقين!
والسلام ختام...
                                                                      ...
-خدي ياكاميليا، خلّي الورقة دي معاكي، انتي أولي بيها، دي كلها مكتوبة عنك.
...
-سميط يابيه؟
-هاتي واحدة ياكاميليا بس لفيها ف ورقة، لفيها ف الورقة اللي ف ايدك دي عشان مستعجل!




شاركه على جوجل بلس

عن Mai Hanem Hamada

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق